تنتشر مجموعة من
الطقوس في البوادي شمال افريقيا والمرتبطة أساسا بنمط الإنتاج الفلاحي السائد بها . ويختلط
فيها الديني بالثقافي لدرجة يصعب التمييز بين جلسات الأمداح النبوية وهذه الطقوس في
حال اكتفينا بالاستماع فقط .وقد توارث الامازيغي هذه العادات والتقاليد وأضافوا إليها
أشياء جديدة بفعل عملية التثاقف والحركية التي يعرفها المجتمع الامازيغي . لكنها رغم
ذلك حافظت على جوهرها وقاومت المؤثرات الحداثية خاصة في العقدين الأخيرين .
جز المواشي "تلسي" حرفة تقليدية موسمية توشك على الإنقراض تعتبر عملية جز المواشي من الطقوس التي تنفرد بمجموعة من الخصوصيات مقارنة مع طقوس أخرى سواء من حيث بداية العمل أو الأغاني المرافقة للعملية أو نهاية الطقس.
جز المواشي "تلسي" حرفة تقليدية موسمية توشك على الإنقراض تعتبر عملية جز المواشي من الطقوس التي تنفرد بمجموعة من الخصوصيات مقارنة مع طقوس أخرى سواء من حيث بداية العمل أو الأغاني المرافقة للعملية أو نهاية الطقس.
اللبن رمز للمشاركة
وطلب البركة :
تعرف القبائل الأمازيغية
التي تعتمد على تربية المواشي في نمط عيشها خلال هذه الفترة من السنة عملية جز المواشي
.وتختلف فترة القيام بهذه العملية بالمغرب حسب اختلاف المعطيات المناخية ،فكلما تأخر
دخول فصل الصيف كلما تأخرت العملية، يشرع في جز المواشي في أوائل
شهر مارس إلى أواخر ماي الفلاحي .
تبدأ عملية الجز
في الصباح الباكر قبل شروق الشمس وغالبا ما يتم إحضار اللبن أو الحليب لما له من رمزية
عند القبائل البدوية المرتبطة بتربية المواشي، ويتم شربه من طرف كل الحاضرين بدون استثناء،
فاللبن يتحول إلى مشروب مقدس لابد من تذوقه . قد يحدث أن لا يتوفر اللبن أو الحليب
، ويلجأ أحد الجزازين إلى ثدي إحدى الشياه و يستخرج الحليب منه ،ويقوم برش المكان الذي
سيحتضن عملية الجز . وهذا ما يؤكد أهمية اللبن أو الحليب في مثل هذه الطقوس فهو يجذب
الخير ويطرد الشر في اعتقاد الفلاحين . ونجد حضورا قويا لهذه المادة في طقوس أخرى فمثلا
زوار زاوية سيدي يحيى بن يوسف القريبة من تونفيت يحملون معهم كمية كبيرة من اللبن خاصة
زوار قبيلة أيت إسحاق . يحضر اللبن أيضا في جلسات القبائل الصحراوية بشكل كبير ويعتبر
تقديم اللبن تعبيرا عن إكرام الضيف ويتم شربه في إناء واحد من طرف كل الحاضرين .هناك
طقس أخر يلعب فيه الحليب دورا أساسيا وهو العرس الأمازيغي فقبل دخول العروس إلى منزل
العريس يعطى لها الحليب لتقوم برش كل الحاضرين وغالبا ما يخفي الحضور وجوههم في هذه
اللحظة خوفا من المفعول السحري لهذا الحليب إذ يعتقد الأمازيغ أن سبب ظهور خالات الوجه
مرتبط بقطرات حليب العروسة ونسمي في الأمازيغية الخالات ب "أغو ن تسليت"
أي حليب العروس.
بعد شرب اللبن
يشرع الجزازون في جز الشياه ، وفي بعض المناطق يتم رمي صوف الشاة الأولى فوق سطح المنزل
كما هو الشأن في ملوية العليا . ويحضر مالك الشياه إناءا مملوءا بالماء لسن المقص وحده
، ويستعمل لنفس الغاية حجر يسمى ب "اسمسد" .وعلى ما أظن الماء يستعمل لتنظيف
المقص لأن أصواف المواشي تكون متسخة فتتعلق تلك الأوساخ بطرفي المقص أو" أزلان"
بالأمازيغية .
فرقة العمل وتوزيع
الأدوار :
تتكون فرقة العمل
من مجموعة من الأشخاص، ويختلف عددهم حسب اختلاف عدد المواشي المراد جزها ،فكلما كان
العدد كبيرا كلما كانت الحاجة إلى عدد أكبر من الجلامين أو الجزازين . يساعد في العملية
فردين أو أكثر للقيام بعملية ربط الشياه ، وفك رباطها عند الانتهاء من جزها بالإضافة
إلى جمع الصوف في قطع تسمى بالأمازيغية " تيليست" .ويتكلف مالك المواشي أو
أحد معاونيه بإحضار الأطعمة خاصة الشاي وأكلة برككش والسمن العتيق .
تلعب هذه المناسبات
أدورا اجتماعية واقتصادية هامة فيوم الجز يوم غير عادي عند الأسر القروية ففيه يكثر
الطعام وتلتقي العائلة وينادى على الفقيه وبعض الجيران ، بل هناك من الأسر من تحتفل
بإطلاق عدة طلقات نارية بالبندقية ، قد يحدث في بعض الأحيان أن يتم استقدام الفرق الفنية
خاصة فرقة " أحيدوس"، وتنظم أيضا مسابقات في الرماية بين سكان القرية .تلجأ
فرقة الجزازين إلى مجموعة من الأنشطة التي ترافق عملهم لتجنب الملل وإسعاد الأسرة والحضور
وذلك من خلال حكاية المستملحات والطرائف، وترديد العديد من الأغاني التي لا تؤدى إلا
في هذه المناسبة ومنها :
- Onna or ikkin timzgida ola izzolla * magidm3 maymi inna gant
at ifokko
- Slla 3la nbi mohmmadin slla 3la moulay mohamed aljid arbbi d awkn yawy
adar ad nzour mohmmadin
- Aday nini nbi slghasn izdigi lkhatr aya3ban ammich yagh sabon
بسم الله الرحمان الرحيم …باسم الله الرحمان الرحيم
ربي زورغك اتوعنمي … ايا ربي زورغك اتعونمي
اد تعاونم مايدانغ كول اسلان .... اد تعاونم مايدانغ كول اسلان
وسط هذه الأغاني
التي يتم ترديدها بشكل جماعي فيما يشبه الكورال والمشحونة بحمولة دينية احتراما لنعمة
الله المتمثلة في المواشي التي تعتبر مصدر كل الخيرات بالنسبة للأسرة البدوية .تستريح
الفرقة مع أطعمة متنوعة اعترافا للفرقة بمجهودها وسعيا لإكرامها لأن هناك تنافس بين
الفلاحين في إكرام الجزازين .تختار كل فرقة أمينا لها يتكلف بالاتصال بباقي الفلاحين
الذين يرغبون في جز مواشيهم ويتفاوض حول الثمن ويتلقى مستحقاتهم من الفلاحين .
طقس النهاية وحضور
المرأة :
غالبا ما ينتهي
العمل قبل صلاة الظهر لأنه يشرع في العملية مبكرا كما أن المجهود العضلي والذهني الذي
تحتاجه العملية تفرض التوقف عن العمل في هذا الوقت . فالحركة التي يقوم بها الجزاز
من صعود ونزول ، وحركة اليدين خاصة أصابع اليد التي تمسك بالمقص أو الجلم تسبب في تعب
كبير يصعب معه الاستمرار لما بعد صلاة الظهر، بل غالبا ما يتم إحضار العدد الكافي من
الجزازين لإنهاء العملية في هذا الوقت بالذات .
يتخلص أعضاء الفريق
من الملابس التي اشتغلوا بها وينظفون أطرافهم .و يتكلف ملك المواشي ونساء الخيمة بطقس
النهاية الذي يختلف بدوره من منطقة إلى أخرى حيث يتم إخراج المواشي من الحظيرة وترش
بالماء الذي كان يستعمل لتنظيف المقص أثناء القيام بعملية الجز ويرافق ذلك العمل موجة
من زغاريد النساء . وقد فسر أحد الفلاحين هذا السلوك بالرغبة في جعل الشياه تتحمل التساقطات
المطرية التي تكون عاصفية خلال فصل الصيف ، و تؤدي في بعض الأحيان إلى نفق العديد منها
.أما عند قبيلة أيت مرغاد فإنه بعد إخراج الشياه من الحظيرة لترعى يتم رميها بجلد شاة
لا يستبعد أن يكون إلا لإحدى الشياه التي ذبحت بالمناسبة، وفي حالة فرار الشياه دون
العودة إلى ذلك الجلد تلتزم النساء الصمت تعبيرا عن فال سيئ ، بينما في حالة عودتها
تزغرد النسوة فرحا تعبيرا عن فرحهن
و في الاخير هذه العملية
في مختلف مناطق تمازغا ،ولكل منطقة طقوسها ، لكنها عموما
تلتقي في جعل هذه المناسبة فرصة للتخلص من متاعب العمل الفلاحي والانغماس في طقوس احتفالية
تحتاج إلى دراسات أنثروبولوجية لاكتشاف دلالات كل الخطوات التي يتم القيام بها لأنه
في الحقيقة هناك أشياء كثيرة يصعب فهمها دون التسلح بآليات التحليل السوسيولوجي والأنثروبولوجي .
بتصرف
0 التعليقات :
إرسال تعليق