رأس برونزي للملك يوبا ثان |
ولد يوبا أو جوبا الثاني في مملكة نوميديا، وهو ابن ملك يوبا الأول الذي قاوم الرومان مقاومة شرسة ووقف في وجه خصمين لدودين من أبناء تمازغا وهما: بوگود وبوكوس.
وبعد هزيمة يوبا الأول أمام القوات الرومانية، أسر يوليوس قيصر ابنه يوبا الثاني الذي كان طفلا صغيرا بين خمس وسبع سنوات فحمله إلى روما حيث نشأ في البلاط الفاخر وعاش في كنف الإمبراطور أغسطس خلف قيصر، فعلمه الفنون والآداب والعلوم وشؤون الحكم في مدارس ومعاهد روما وأثينا
وبعد هزيمة يوبا الأول أمام القوات الرومانية، أسر يوليوس قيصر ابنه يوبا الثاني الذي كان طفلا صغيرا بين خمس وسبع سنوات فحمله إلى روما حيث نشأ في البلاط الفاخر وعاش في كنف الإمبراطور أغسطس خلف قيصر، فعلمه الفنون والآداب والعلوم وشؤون الحكم في مدارس ومعاهد روما وأثينا
وقد توطدت العلاقات الإدارية والشخصية بين يوبا الثاني وقياصرة روما حتى استصحبه ” كايوس قيصر، ولي عهد الإمبراطورية الرومانية… إلى الشرق وزوجه هناك من الأميرة كليوبترا ( La princesse Cléopâtre ) ابنة أنطون، وكليوبترا ملكة مصر”.
زوجة الملك كليوباترا سيليني |
و سيتعرض يوبا الثاني للاغتيال في أواخر حياته بعد أن عاش نصف قرن في كنف الرومان. ومن ثم، سيكون المغرب بعد وفاة يوبا الثاني تابعا للحكم الروماني مباشرة. وسيدخل الأمازيغيون المغاربة في مقاومة شرسة ضد القوات اللاتينية ستنتهي بطرد الرومان وحلول الوندال والبيزنطيين.
تمكن يوبا الثاني ومن بعده ابنه بطليموس من توحيد القبائل الموريتانية في إطار مملكة مورية واسعة الأطراف تنقسم إلى قسمين: موريطانيا القيصرية وموريطانيا الطنجية. ومن أهم المدن التي كانت تابعة ليوبا الثاني في 40 للميلاد نذكر: طنجيس وزيليس وليكسوس وسبتة وتمودة ووليلي وبناسة وتموسيط وتوكولوسيدا وبوماريا.
وستكون موريطانيا خاضعة للوصاية الرومانية على يد يوبا الثاني منذ 25 ق.م ، ويعني هذا أن يوبا الثاني الذي تربى في العاصمة الإيطالية سيكون حليفا للرومان وتابعا وفيا لهم وصنيعة في أيديهم. لذلك، سمحوا له بإدارة مملكة موريطانيا الطنجية أولا وموريطانيا القيصرية ثانيا.
وعلى أي حال، حكم يوبا الثاني موريطانيا سواء الطنجية أم القيصرية ” تحت مراقبة روما وبالنيابة عنها طوال الفترة بين 25 و23 قبل الميلاد قام خلالها بتمهيد السبيل أمام الحكم الروماني.”
وستكون موريطانيا خاضعة للوصاية الرومانية على يد يوبا الثاني منذ 25 ق.م ، ويعني هذا أن يوبا الثاني الذي تربى في العاصمة الإيطالية سيكون حليفا للرومان وتابعا وفيا لهم وصنيعة في أيديهم. لذلك، سمحوا له بإدارة مملكة موريطانيا الطنجية أولا وموريطانيا القيصرية ثانيا.
وعلى أي حال، حكم يوبا الثاني موريطانيا سواء الطنجية أم القيصرية ” تحت مراقبة روما وبالنيابة عنها طوال الفترة بين 25 و23 قبل الميلاد قام خلالها بتمهيد السبيل أمام الحكم الروماني.”
عاصمة الملك يوبا ثاني أيول "شرشال حاليا |
بالإضافة إلى الجانب الإداري، فقد حقق عصر يوبا الثاني طفرة اقتصادية متنوعة وازدهارا تجاريا كبيرا ؛ لأنه شجع الزراعة والصناعة والتجارة. وأقام مشاريع صناعية كبرى في عدة مدن كصناعة الأصباغ الأرجوانية وتمليح السمك وصنع الكاروم ( Garum ) وهو مرق مصنوع من السمك يستعمل عوض التوابل لطهي الطعام ( يشبه كنورالسمك حاليا)، ويستعمل كذلك دواء في الاستشفاء من بعض الأمراض.
وفي الحقيقة ، تميزت أيام يوبا الثاني (25 ق.م-33 بعد الميلاد) بالازدهار الاقتصادي في جميع المجالات وعلى جميع المستويات والأصعدة والقطاعات. وبطبيعة الحال، سيكون عصر يوبا الثاني عصر الرخاء الاقتصادي والتطور التجاري وتحسن الأحوال الاجتماعية وانتعاش النهضة الفكرية والثقافية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان يوبا الثاني يهتم بتجميل الحواضر وتزيينها على غرار الحواضر الرومانية تقليدا بفن عمارتها وهندسة مبانيها وجمال مدنها كما يقول المؤرخون “خاصة عاصمتيه أيول( شرشال القيصرية) وأوليلي، مما يعكس ذوقه ومدى الرخاء الذي شهدته مملكته، فضلا عما يمكن استنتاجه من كون تشجيع الحياة الحضرية يدخل في إطار السياسة الرومانية الرامية إلى تدجين الأمازيغيين.
أوليلي العاصمة الثانية و الثقافية |
وإذا أردنا معرفة طبيعة هندسة المدينة في عهد يوبا الثاني فقد كانت ممزوجة بالعمارة اليونانية والنحت الروماني ومتأثرة بالهندسة الفينيقية القرطاجنية، وتطبعها الروح الأمازيغية الثورية المبنية على الفروسية والمقاومة.
وهكذا، فقد كانت المدينة البربرية :” محاطة بالأسوار والأبراج، وبداخلها فوروم forum أي ميدان عمومي، وكابيطول capitole أي معبد، وقوس النصر تعلوه عربة تجرها ستة خيول، وكانت بها كذلك خزائن لحفظ الكتب وتماثيل الآلهة، وفسقيات وحمامات عمومية مفروشة أرضها بالرخام ومغطاة جدرانها بالفسيفساء المصورة لمناظر من الطبيعة ومشاهد من الحياة. أما المدينة نفسها فكانت مقسمة إلى قسمين: أحدهما في الجنوب تجمعت فيه المصانع والمخابز ومعاصر الزيت والدكاكين والدور الشعبية، والثاني في الشمال يسكنه الأغنياء والحكام.
ومازالت بعض الآثار الباقية في وليلي شاهدة على ماكانت عليه هذه المدينة، حيث كشف النقاب عن بعض الشوارع والمنازل والمعاصر، وعن قاعة الاجتماعات والساحة العمومية التي كانت تعتبر المكان المحوري في المدينة، وعن بعض التحف كتمثال برونزي لكلب وآخر لغلام ورأس مرمي وتمثالين نصفيين لبروتوس ولبعض الأمراء”.
يعتبر يوبا أو جوبا الثاني من كبار العلماء والمثقفين الأمازيغ إذ كان يمتاز بسعة العلم والاطلاع، وكان كثير السفر والبحث والتجوال وموسوعي المعارف والفنون. وقد ألف كثيرا من الكتب والبحوث والمصنفات في التاريخ والجغرافيا والرحلة والطبيعيات والفنون والآداب والطب والعلوم الاستكشافية ؛ ولكن هذه المؤلفات النادرة والثمينة لم تصل إلينا سليمة، بل ثمة إشارات إليها في كتب المؤرخين مبثوثة هنا وهناك…
عملة النقدية سكت في العهد الملك فيها صورة للملكين |
كما اهتم يوبا الثاني بالجانب الثقافي والعلمي والفكري ، فأعد خزانة ضخمة جمع فيها أنواعا من الكتب والوثائق العلمية والتاريخية، واستقطب نحو عاصمته كبار العلماء والأطباء من اليونان والرومان، وأمر بجمع النباتات الطبية والأعشاب. وشارك في رحلات علمية استكشافية داخل جبال الأطلس و جزر كناريا الحالية. وجمع رحلاته العلمية وكشوفاته الطبيعية والجغرافية وأحاديثه عن المغرب وخاصة المجتمع الأمازيغي وعاداته ولغته وتقاليده في ثلاثة مجلدات ضخمة سميت”ليبيكا” Libyca . ومن أحسن ما تضمنته ليبيكا قصة “الأسد الحقود” التي مازالت تروى من قبل الجدات في عدة مناطق أمازيغية في المغرب باللغة البربرية كما ورد في كتاب”لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين” .
وزد على ذلك ، أن ليوبا الثاني مكتبة عامرة بالكتب المتميزة في مختلف الفنون والعلوم والآداب، وكان له” نساخ عديدون، كما كانت له عناية خاصة بجمع التماثيل والصور واستقدام النفائس من مختلف الأقطار، وتوجد منها الآن كمية ثرية بمتحف الجزائر وشرشال”.
و ۥ يظهر لنا هذا الكم الهائل من الكتب أن يوبا الثاني كان من المثقفين الأمازيغيين الكبار الذين تعتمد عليهم الإمبراطورية الرومانية في التكوين والتأطير والتدريس وجمع المادة المعرفية المتنوعة التي تتمثل في الجغرافيا والحفريات واللغويات والفنون والتاريخ والطبيعيات…
و ۥ يظهر لنا هذا الكم الهائل من الكتب أن يوبا الثاني كان من المثقفين الأمازيغيين الكبار الذين تعتمد عليهم الإمبراطورية الرومانية في التكوين والتأطير والتدريس وجمع المادة المعرفية المتنوعة التي تتمثل في الجغرافيا والحفريات واللغويات والفنون والتاريخ والطبيعيات…
فسيفساء تبين الحياة الافتصادية في عهد الملك |
وكانت ليوبا الثاني أيضا مكانة كبيرة في المجتمع الروماني مادام قد حظي بتدريس يوليوس قيصر الروماني وسهر على تثقيفه وتعليمه. وكان يوبا الثاني يتقن لغات عدة كاللغة اليونانية واللغة اللاتينية واللغة البونيقية ولغته الأمازيغية المحلية التي كان يتواصل بها مع فئات شعبه.
ومن أهم ماكان يهتم به يوبا الثاني الفنون الجميلة ولاسيما الموسيقا والرقص والنحت والتمثيل المسرحي متأثرا في ذلك بالفنون الجميلة اليونانية والرومانية. ونحن نستغرب لما ذهب إليه الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه:” ورقات عن الحضارة العربية بأفريقية التونسية” الذي أنكر وجود الفنون الجميلة عند الأمازيغيين قديما نظرا لسذاجة الألحان الأمازيغية وقلة الآلات الموسيقية وبساطة الإيقاع وانعدام البحث الموسيقي والتأثر بالأغاني الزنجية الأفريقية السوداء الرتيبة بقوله:” مهما تتبع الباحث رسوم الحضارة، والمجتمع البربري؛ الذي يقطن شمال أفرقية- من قديم الزمان- فإنه لا يجد للفنون الجميلة- ومنها الموسيقا- أدنى أثر يذكر؛ وغاية ما يقال أن الأهالي الأصليين كانوا يتغنون ببعض ألحان ساذجة بسيطة، ربما قلدوا فيها أغاني الزنزج ببعض ألحان ساذجة بسيطة؛ ربما قلدوا فيها أغاني الزنوج المحيطين بهم من ناحية الجنوب- الصحراء الكبرى والسودان- فالقبائل المحافظة على بربريتها الأولى مازالت تصوت بألحان أقرب ما تكون إلى إيقاع السودانيين…ويمكن الاستدلال على بساطة الموسيقا- لأي شعب كان- بآلات الطرب التي يستعملها لهذا الغرض. فالأمم البربرية ليس لها من الأدوات إلا مزمار؛ وهي( الشبابة) يتخذ في الغالب من القصب؛ ينفخ فيه، أو نوع من الرباب ذي وترين لا غير( گمبري)؛ وهوعين ما يوجد عند الزنوج البدائيين. وهذا من أكبر الشواهد على تأخر التلحين عندهم. وكذلك الشأن في الأصوات نفسها، التي تتغنى بها القبائل البربرية مثل: جبل(زوارة)- كتامة قديما- وبلاد الريف وأهل جبال المغرب من السوس الأدنى والأقصى؛ فإن الإيقاع فيها بسيط جدا؛ ولا يتجاوز بعض مقامات السلم، شبيه ما يشاهد عند السودانيين. وهذه هي الألحان الساذجة التي وجدها العرب عند عشائر البربر لما فتحوا البلاد عليهم؛ وبقي استعمالها شائعا بين السكان الأصليين إلى أن امتد التعريب في البلاد، ورسخ في البلاد اللوبية؛ فتحولت أوضاعهم بالتدريج إلى أوضاع عربية؛ وانتشرت على مر الزمان من الحواضر العربية أو المتعربة أو المتعربة حتى بلغت قرارات البربر”.
ولايمكن لنا إطلاقا أن نقبل بهذا الحكم الساذج المتسرع ؛ لأن أبوليوس كان متفننا في الأغاني ومتحكما في أشكال الموسيقا حسب الأداة وطبيعة الأغراض الشعرية ومتنوعا فيها بتنوع الأعاريض والألحان، وهذا يبين لنا مدى ازدهار الشعر والموسيقا في تامازغا، وفي هذا الصدد يقول أبوليوس أو أفولاي الأمازيغي:” أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان لمرح الملهاة أو جلال المأساة وكذلك لا أقصر لا في الهجاء ولا في الأحاجي ولا أعجز عن مختلف الروايات والخطب يثنى عليها البلغاء، والحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟ إنني أنشىء في كل شيء ياليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس ونفس الأسلوب”.
ومن أهم ماكان يهتم به يوبا الثاني الفنون الجميلة ولاسيما الموسيقا والرقص والنحت والتمثيل المسرحي متأثرا في ذلك بالفنون الجميلة اليونانية والرومانية. ونحن نستغرب لما ذهب إليه الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه:” ورقات عن الحضارة العربية بأفريقية التونسية” الذي أنكر وجود الفنون الجميلة عند الأمازيغيين قديما نظرا لسذاجة الألحان الأمازيغية وقلة الآلات الموسيقية وبساطة الإيقاع وانعدام البحث الموسيقي والتأثر بالأغاني الزنجية الأفريقية السوداء الرتيبة بقوله:” مهما تتبع الباحث رسوم الحضارة، والمجتمع البربري؛ الذي يقطن شمال أفرقية- من قديم الزمان- فإنه لا يجد للفنون الجميلة- ومنها الموسيقا- أدنى أثر يذكر؛ وغاية ما يقال أن الأهالي الأصليين كانوا يتغنون ببعض ألحان ساذجة بسيطة، ربما قلدوا فيها أغاني الزنزج ببعض ألحان ساذجة بسيطة؛ ربما قلدوا فيها أغاني الزنوج المحيطين بهم من ناحية الجنوب- الصحراء الكبرى والسودان- فالقبائل المحافظة على بربريتها الأولى مازالت تصوت بألحان أقرب ما تكون إلى إيقاع السودانيين…ويمكن الاستدلال على بساطة الموسيقا- لأي شعب كان- بآلات الطرب التي يستعملها لهذا الغرض. فالأمم البربرية ليس لها من الأدوات إلا مزمار؛ وهي( الشبابة) يتخذ في الغالب من القصب؛ ينفخ فيه، أو نوع من الرباب ذي وترين لا غير( گمبري)؛ وهوعين ما يوجد عند الزنوج البدائيين. وهذا من أكبر الشواهد على تأخر التلحين عندهم. وكذلك الشأن في الأصوات نفسها، التي تتغنى بها القبائل البربرية مثل: جبل(زوارة)- كتامة قديما- وبلاد الريف وأهل جبال المغرب من السوس الأدنى والأقصى؛ فإن الإيقاع فيها بسيط جدا؛ ولا يتجاوز بعض مقامات السلم، شبيه ما يشاهد عند السودانيين. وهذه هي الألحان الساذجة التي وجدها العرب عند عشائر البربر لما فتحوا البلاد عليهم؛ وبقي استعمالها شائعا بين السكان الأصليين إلى أن امتد التعريب في البلاد، ورسخ في البلاد اللوبية؛ فتحولت أوضاعهم بالتدريج إلى أوضاع عربية؛ وانتشرت على مر الزمان من الحواضر العربية أو المتعربة أو المتعربة حتى بلغت قرارات البربر”.
ولايمكن لنا إطلاقا أن نقبل بهذا الحكم الساذج المتسرع ؛ لأن أبوليوس كان متفننا في الأغاني ومتحكما في أشكال الموسيقا حسب الأداة وطبيعة الأغراض الشعرية ومتنوعا فيها بتنوع الأعاريض والألحان، وهذا يبين لنا مدى ازدهار الشعر والموسيقا في تامازغا، وفي هذا الصدد يقول أبوليوس أو أفولاي الأمازيغي:” أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان لمرح الملهاة أو جلال المأساة وكذلك لا أقصر لا في الهجاء ولا في الأحاجي ولا أعجز عن مختلف الروايات والخطب يثنى عليها البلغاء، والحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟ إنني أنشىء في كل شيء ياليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس ونفس الأسلوب”.
مسرح تيبازا |
ومن أهم الكتب الدالة على مانقوله كتابه الرائع:” تاريخ المسارح” الذي جمع فيه دراسات شاملة حول الموسيقا والرقص. ويثمن الكثير من الباحثين الإنجازات القيمة التي حققها الملك المثقف يوبا الثاني في مجال الموسيقا بصفة خاصة والفنون الجميلة بصفة عامة. وفي هذا الصدد يقول الباحث الجزائري بوزياني الدراجي:” والجميع يعلم المجهودات الجبارة التي قام بها يوبا الثاني في نشر الفنون- بشتى أنواعها- في بلاده؛ مثل الموسيقا التي أنشأ- لتدريسها ونشرها- معهدا خاصا بشرشال؛ كما قام هو نفسه بتأليف موسوعة موسيقية ضخمة. أما التمثيل فقد أسس يوبا أيضا معهدا لتدرسيه في شرشال كذلك. هذا بالإضافة إلى معهد النحت الذي أسسه في عاصمته شرشال. ولم يكن يوبا هو الوحيد المهتم بالفنون الجميلة ببلاد المغرب آنئذ؛ فثمة آخرون كانت لهم الاهتمامات نفسها؛ لأن التأثير الإغريقي والفينيقي والروماني لابد أن يولد اهتماما معينا بين السكان؛ وإذا لم يهتم بذلك السكان كلهم فقد يهتم بعضهم…”.
وعلى العموم، فلقد تعجب الكثير من الدارسين القدماء والمحدثين من شخصية يوبا الثاني ومن كفاءته الحاذقة وعبقريته المتميزة، فالباحث المغربي محمد شفيق أثبت بأن يوبا الثاني كان يكتب” باليونانية في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والأدب وفقه اللغة المقارن، فتعجب من نبوغه ” فلوتارخوس Plutarkhos ” ومن كونه” بربريا نوميديا ومن أكثر الأدباء ظرفا ورهافة حس”….
ونصب له الأثينيون تمثالا في أحد مراكزهم الثقافية…تقديرا لكفاءته الفكرية. وقد نقل عنه علماء العصر القديم، وحسده معاصروه منهم ونفسوا عليه نبوغه، بصفته بربرياbarbarus ، وكأن نفاستهم عليه تسربت إلى نفس المؤرخ الفرنسي Stéphane Gsell ، إذ ما فتئ Gsell يحاول أن يغض من قيمة أعمال يوبا الفكرية، فتبعه في ذلك تلامذته من الأوربيين الذين أرخوا للمغرب الكبير في عهد الاستعمار الفرنسي، كما تبعوه في تحاملهم على أبيه يوبا الأول من أجل حرصه على سيادة مملكته. والدافع عند Gsellومن تبعوه هو أنهم كانوا يعتبرون الفرنسيين ورثة للرومان في أفريقية الشمالية، ويرون أن “الأهالي ” Les indigènes لا يمكن أن يكونوا إلا “أهالي” في الماضي والحاضر على السواء، بما أشربته الكلمة في لغتهم إذاك من معاني الاحتقار.” .
وعليه، فإن يوبا الثاني شخصية موسوعية بارزة اعتمدت على المقاربة الثقافية في مقاومتها للرومان، واستطاعت أن تقدم الكثير لشعبها على الرغم من الضغوطات الرومانية. كما اعتمد هذا الملك المثقف على سياسة الانفتاح والتسامح والتبادل الثقافي ومعرفة قدراته العسكرية جيدا والاحتراس من المغامرات المتهورة التي قد تقود شعبه إلى الهلاك؛ لذلك كان يهادن الرومان، ويعرف من أين تؤكل الكتف، ويستعمل جميع الوسائل الدبلوماسية لتفادي الحروب والثورات. لذا، استمر في حكمه مدة طويلة تقدر بنصف قرن بسبب رجاحة رأيه وصحة رؤيته وموضوعية بصيرته.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كان يعتبر عند الباحثين الأمازيغيين بمثابة خائن للهوية الأمازيغية و” أداة طيعة لتنفيذ أوامر روما وخدمة مصالحها، وذلك بالسهر على قمع الثورات التي قام بها الأمازيغ ضد التواجد الروماني، ففي سنة 6 م حارب قبائل جدالة التي ثارت ضد الرومان وضد الملك نفسه، بسبب اغتصاب أراضيها وحرمانها من المراعي، وبعد ذلك بعشر سنوات ، اندلعت ثورة تاكفاريناس العارمة ضد الرومان، وكانت جيوش يوبا بالطبع إلى جانب الرومان في محاربة بني جلدته الأمازيغ.”.
ضريح الملك يوبا الثاني و زوجتة كليوباترا سيليني |
0 التعليقات :
إرسال تعليق