توطئة:
على الرغم من كون الأمازيغ من بين الشعوب القليلة جدا في العالم التي تتوفر على نظام كتابي خاص، فإن الكتابة والتدوين لم يشكلا سمة جلية في الأدب الأمازيغي لعدة اعتبارات ذاتية وموضوعية، لذلك شكلت الذاكرة الجمْعية خزان هذا الأدب العريق عراقة الإنسان الأمازيغي نفسه. وصدق الذي قال إن موت شخص في إفريقيا هو بمثابة اندلاع حريق في مكتبة. ذلك أن العديد من النفائس الأدبية تموت بموت الكبار – إناثا وذكرانا – ما لم يطلعوا عليها الآخرين أو تجد طريقها إلى الحكي التواتري ومن ثم إلى التدوين الكتابي.
1 – الأجناس الأدبية الأمازيغية:
إذا قمنا بجرد الأجناس الأدبية الأمازيغية المتوارثة فإننا سنجدها تنقسم إلى قسمين كبيرين شأنها في ذلك شأن العديد من الآداب العالمية وإن تفرد الأمازيغ ببعضها وكان لهم السبق فيها:
- الأجناس النثرية:
الألغاز والأحاجي: Tiɣuniwin – Tiwafitin – Tinẓẓṛa
الأمثال والحكم: Inzan d tmusniwin (Iwaliwn ddrnin)
القصص الخرافية: Tinfusin – Timucuha
القصص الأسطورية:Umiyn – Amyitn
حكايات الحيوانات: Tallasin n imudar
المسرح : Amzgun
الرواية : Ungal
بالنسبة للجنسين الأدبيين الأخيرين فقد أبدع الأمازيغ فيهما من خلال “اتصالهم” باليونان والرومان، ولا بد أن ندلي في هذا المقام بثلاث إشارات: أولاها أن أقدم رواية في التاريخ – ما لم يدحض مستقبلا اكتشاف تاريخي آخر ذلك – هي للروائي الأمازيغي “أفولاي” بروايته (Aɣyul n wurɣ) “الحمار الذهبي”. ثانيها توفر الأمازيغ على أدب الرحلة والتوثيق وهذا ما انفرد به الملك العالم “يوبا ويسّ – سين”(الثاني) في موسوعته “ليبيكا” والتي – وللأسف – ضاعت أجزاؤها ولم يتبق منها غير الاسم في كتب المؤرخين وبعض الأجزاء النادرة جدا. ثالثها كون كتاب (Agldun amẓẓan) “Le petit Prince” ما هي ترجمة فرنسية لحكاية أمازيغية لا يزال أمازيغ “الهكار” بالجزائر و”أزواد” يتداولونها إلى اليوم، ولا يخفى علينا أن الكاتب “Saint Exupéry” صاحب الكتاب قد جال وصال في شمال إفريقيا بما في ذلك جنوب المغرب. وهناك نص كامل بـ”تيفيناغ” الترﯖية (الطوارقية) لهذه الحكاية الأمازيغية لكاتب مجهول.
- الأجناس الشعرية:
وهو أخصب ميدان أدبي أبدع فيه الأمازيغ وإن كنا لا نتوفر إلا على النزر القليل منه والذي يعود للقرون المتأخرة، كالنصوص الأوزالية، الأجرومية، “الدمياطي”، منظومة “ابن تومرت”… إلى جانب تراث شعري ديني فياض تختزنه جبال “نفوسة” بليبيا.
إن الشعر لهُوَ الحياة الوجودية لإنسان شمال إفريقيا، فهو أولى المدارس التي طورت مداركنا ووعينا ووسعت مخيالنا بفضل أمهاتنا الشواعراللائي ربين فينا الذوق الفني عبر الترديد والإلقاء الشعريين حتى ونحن أجنة في بطونهن، فمن منا كان لا ينام على إيقاع أهزوجة “ريرو” ويستيقظ على المواويل الآتية من المنزل وقت القيام بالأعمال المنزلية من مخض وطهي وتنقية الزرع من الشوائب… ومن الحقول والبساتين والمرعى أو من منتدى القصر.
من الضروري الإشارة إلى أن وسائل التواصل الحديثة (بداية من التلفاز وصولا إلى الأنترنيت) والمدرسة (التي لا ولم تدرس اللغة الأم للمغاربة) وتغير أنماط الحياة (من الحياة الجماعية إلى الفردية، الهجرة، مزاولة حرف أخرى جديدة…) قد أدت إلى بتر التراث الشفوي ووأده، ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الأجناس هي ما يجمع الناس حول موقد النار حيث التواصل الشفوي الحميم المباشر بين أفراد الأسرة، مما يكسب الصغار ملكة اللغة وجمالية التعبير والفصاحة وتربية الذكاء والفطنة وإذكاء الحس الجمالي فيهم، والتخلص من القلق جراء مقابلة الآخر ومخاطبته بعيدا عن التلقي السلبي والاستهلاك… إن وأد عادة التواصل نثرا وشعرا بين أفراد الأسرة حاليا هو ما يفسر بشكل كبير فشل تلاميذ البوادي خصوصا في الامتحانات الشفوية عكس تفوقهم في الامتحانات الكتابية.
2 – سمات الشعر:
يعرف الشعر في اللغة الأمازيغية بثلاث تسميات عدة من أهمها :
+ أمارﯖ (Amarg) : وتعني الكلام المبارك والمهدى وهي تسمية مشتقة من الفعل “أرﯖ” (Arg) ومنه اشتقت كلمة “تارّاﯖت” (Tarragt) بمعنى الهدية (تارزيفت : “Tarzzift”)
+ تامديازت (Tamdyazt) : تطلق على الشعر بصفة عامة وعلى القصيدة خصوصا كما تعني الشاعرة أيضا. وهي كلمة مشتقة على صيغة الفاعل ولا تدل عليه من فعل ثلاثي الصوامت “ديْز” (Dyz)، فعل انقرض في عديد المتغيرات الأمازيغية وإن لا زالت تحتفظ بكلمات من أسرتها مثل “أمداز” (Amdaz) الذي يعني الفرح الجماعي العارم.
+ أوال (Awal) : فهذه اللفظة تعني الكلام عموما والشعر إذا اقترنت بفعل الكسر والتكسير “ڔژ” (Ṛẓ) كقولنا:
Ar iṛẓẓa awal / Da iṛṛaẓ awal
يتميز الشعر الأمازيغي بكونه شعر مغنّى بامتياز، فالشعر والغناء متلازمان بشكل يجعلنا نغامر عند الحديث عن أحدهما دون استحضار الآخر. ولم يظهرا متفرقين إلا مؤخرا عند الأجيال الحالية.
يتصف الشعر الأمازيغي إذن بسمات تجعله يختلف عن النثر، ويمكن تحديدها بعضها في ما يأتي:
- تكثيف المعنى من خلال التقيد بوزن شعري يفرض انتقاء الكلمات وحصر عددها.
- العفوية في الإلقاء والارتجالية في الأداء.
- الحس المرهف والتقاط أدق التفاصيل المعنوية والمادية.
- الجمالية الأسلوبية والهندسة البلاغية.
- الاختيار الموضوعي للمعجم الموظف.
- دقة التصوير وبلاغة المعنى وجمالية التعبير.
- سرعة البديهة في النظم.
- تراكم التجربة والحنكة والدربة إما بالانغماس في الأعراس الاحتفالية أو التكوين الأكاديمي.
- الخروج عن المألوف في القول والتعبير العاميين.
- قرض الكلام وفق قالب شعري موزون حيث حضور التراصفين الأفقي (عدد المقاطع) والعمودي (نوع المقاطع أهي خفيفة أم ثقيلة أم أثقل) والتوزيع المتقن للأصوات الصامتة وفق تسلسل يمنع ظهور الزحاف والعلل، فقد نجد مقاطع بيت شعري ما تحقق التراصف الأفقي والعمودي لكن نجد البيت غير موزون وعند إنشاده يظهر النشاز الصوتي.
3 – الأنماط الشعرية الأمازيغية:
تتمفصل القصيدة الشعرية الأمازيغية عموما على الشكل التالي:
+ مقدمة دينية : مناجاة، استهلال، طلب التوفيق، الاستخارة، التغني بقدرة الله وصفاته ووصف مخلوقاته…
+ حسن التخلص : يمثل منعطفا مفصليا للانتقال من المقدمة الدينية إلى الموضوع الأساس ويكون ذلك من خلال بيت واحد (Izli = Tiwnt) إلى ثلاثة أبيات على الأكثر.
+ الموضوع الأساس : ويكون عبارة عن مقطع واحد (Tagṭṭumt) أو عدة مقاطع مجزأة. في حال الانتقال أو التجزيء غالبا ما تكون هناك لازمة شعرية (Tamalast = Tastna = Ahiwa) يرددها الشاعر مرتين أو أكثر أو ينوب عنه مرددوه (Imalasn : Iṛddadn) في ذلك.
+ الخاتمة : غالبا ما يختم الشاعر إلقاءه بحكمة أو نظرة فلسفية أو قفلة شبيهة بالمقدمة الدينية بصيغة أخرى.
تبقى الإشارة ضروية إلى أن القافية لا تعتبر شرطا في الشعر الأمازيغي وإنما الوزن وتوزيع الأصوات والنبر على طول البيت هو الشرط الأساس كي يستقيم الشعر.
ويتميز الشعر الأمازيغي بتعدد أنماطه حسب بنية المتن الشعري، ومناسبة إلقائه، وشخوصه، ومناطقه، ومواضيعه…
بالنسبة لتصنيف الشعر حسب بنية المتن الشعري، نميز بين نوعين:
+ الشعر القصِيدي (أو القصَدي) : وهي الأنماط الشعرية التي تكون على شكل قصائد من أبيات عديدة مترابطة ونذكر منها:
- تانضامت (Tanḍḍamt) : كلمة مقترضة من العربية وتعني المنظومة، فهي تشير إلى نظم الكلام وقرض الشعر، ويمتد مجال تداول التسمية من خوانق “ئمكونّ” إلى الجنوب المغربي، وتتكون من اثني عشر مقطعا:
a – la – lay – la – li – la – day – la – li – la – la – lal
- “تايفارت” (Tayffart) : وتعني السلسلة في إشارة إلى الأبيات المترابطة معنى ومتنا. وتتداول التسمية بشكل كبير في منطقة “فازاز” (Fazaz) أو ما يعرف بالأطلس المتوسط وأوزانها كثيرة متعددة بتعدد الشعراء والأغراض.
- “تاقسيست” (Taqssist) : وهي قصة محكية في قالب شعري، وهي تكاد تكون شبيهة بحكايات الكاتب الفرنسي “La Fontaine” الذي نظم حكايات الحيوانات شعرا، ونجد هذه التسمية في منطقة الريف شمالا.
- “أهلّل” (Ahllel) : وهو قصيدة ذات بعد روحي، ديني وقيمي… ولا تزال متداولة في منطقة “فازاز” ولها بعض الآثار في “أسامر” أو ما يسمى بالجنوب الشرقي. ويتشكل من ثلاثة مقاطع رئيسة: المطلع، القلب أو الموضوع الأساس ثم الختمة.
- …
+ الشعر البيْتي: وهو أنماط شعرية من بيت شعري واحد من شطر واحد أو شطرين أو أبيات كثيرة لكنها غير مرتبطة بالضرورة معنى وإنما ترتبط وزنا، ونذكر على سبيل المثال:
- “أفرّادي” (Afrradi”y”) : أبيات فردية من شطر أو شطرين وأحيانا من ثلاثة أشطر أو أشطر رباعية صغيرة، ويسهل قرضه عندما يكون الشاعر وسط احتفالية الأعراس. ومن مرادفاته “ئزلي” (Izli) “البيت الشعري الأحادي” والذي ينطق لثغا بالراء في الريف “ئزري”. وله تسميات أخرى تختلف فقط باختلاف المناسبة حسب المناطق من مثل: “حايفا” (Ḥayfa)، “ئزلان – ن – رّبيوز” (Izlan n rrbyuz)، “تازرّارت” (Tazrrart)…
- تاماوايت (Tamawayt) : اسم الفاعل يدل على الصفة المشبهة صيغ من الفعل (Awy)، وهي أبيات شعرية مستقلة من شطرين إلى ثلاثة أشطر يرددها المسافر الذي يحس الوجد والفقد والشوق، أو الراعي”ة” كأنيس له في المرعى الفضاء فتردد الجبال صداها، فهي تلعب دور المذياع الصغير حاليا والذي ضيق عليها الخناق.
- …
على مستوى الأنماط الشعرية المرتبطة بالأعراس في الجنوب الشرقي إلى جانب بعض مما ذكرناه أعلاه نجد:
- “باهبي” (Bahbi) : شعر أمازيغي ذو إيقاع تتماهى معه النفوس لعذوبته، وهو في الحقيقة إيقاع من بين إيقاعات أخرى أخرى تنتشر عند أمازيغ الجنوب الشرقي، ويتكون من شطرين من ثمانية مقاطع لكل بيت ووسط كل بيت يقع المفصل (Coupure).
- “بايبي” (Baybi) : من بين الأنماط الشعرية التي بدأت في الأفول إلى جانب النوع الأول لدى أمازيغ الجنوب الشرقي، وله إيقاع ملحمي يثير الرهبة في النفس فهو شعر تضرعي بشكل كبير وإن كان بالإمكان تحميله شتى الأغراض الشعرية التقليدية المعروفة.
وهذه التسميات تدل على أولياء صالحين – من المنطلق الديني أو المدني للكلمة – عرفتهم المنطقة منذ زمن بعيد وقد تم تخليدهم من خلال الشعر إلى جانب أولياء آخرين، وتدل السابقة (با = ba) والتي هي صيغة مختزلة لـ (بابا = baba) على التعظيم والتحبيب. ولا تزال إضافة هذه السابقة – سواء بالتضعيف أو بدونه – إلى الأسماء الشخصية متداولة في المنطقة من مثل (علي = باعلي / عدّي = باعدّي، بّاعدّي / ئشّو = بايشّو، بويشّو، بّايشّو / هدي = باهدي، باهادي / عسو ، عبد السلام = باسلام / …)
- “تيمناضين” (Timnaḍin) : من بين الإيقاعات ذات الحمولة الشعرية الفياضة بالنظر إلى طبيعته الرومانسية والانسيابية ويعكس حال النفس وما تعانيه من غربة وشوق وحب… ولكنه قد يوظف في فن النقائض فإذا بالسامع يخال نفسه أمام تراشق بالنار والحجر. وقد تدل التسمية على المجال كما قد تدل على التراشق حيث قلبت اللام نونا (تيملاضين : Timlaḍin) – المقذوفات – في إشارة إلى ذلك السجال الشعري والمقارعة والنقائض.
- “تاكزمت / تاكزيمت” (Tagzzumt / Tagzzimt) : هو شعر قصيدي مكون من مقاطع – وهو ما تشير إليه تسميته – ذو مواضيع متعددة غالبا، وأحيانا يتناول موضوعا واحدا بشكل تجزيئي. ويؤتى به في مستهل رقصة “تيـﯖـي” (Tigi) والتي هي ذات حمولة تضرعية، حربية، وفلسفية. وهذا النوع منتشر في الجنوب الشرقي المغربي أيضا. وتدل التسمية على قرض الشعر من خلال مقاطع مجزأة تفصل بينها زغاريد النساء عند استملاح الشعر الملقى من خلال تمديد الشاعر ومعه الفرقة الراقصة للمقطع الأخير من البيت إيذانا منه بانتهائه منه، لأخذ قسط من النفس والانتقال إلى المقطع الموالي الذي قد يكون تكملة للتيمة السابقة أو تناولا لتيمة أخرى.
- “ئزلان – ن – ييجي” (Izlan n yijy) : أبيات شعرية ذات أوزان وأغراض مختلفة، منها ما اندثر ومنها ما لا يزال يقاوم براثن الإهمال وأعاصير النسيان. وتتراوح مقاطع هذا النوع من الأشعار ما بين ثماني مقاطع واثني عشر مقطعا. ولكل وزن وزن شعري اسم خاص به يميزه عن غيره.
- “وارّو” (Warru) : وهو شعر نسائي بامتياز ويكون وقت تخضيب أيدي العرسان بالحناء أو وقت مقدم موكب (Tarikt) هدية العريس للعروس، وله مسميا أخرى تكاد تكون قريبة من هذه التسمية بحسب المناطق. ويشترك في ذلك مع أنماط شعرية أخرى كلها نسائية وهي “أباغور” (Abaɣur) – شعر تعداد محاسن العروس وفضائلها – و”أزّنزي” (Azznzy) – أو شعر التبكير احتفالا بمقدم العروس إلى بيت زوجها – وإن كان الاختلاف بين هذه الأنماط الشعرية على مستوى التيمة والوقت من المناسبة والوزن الشعر.
- شعر الأعمال اليومية والموسمية (Izlan n twuriwin) : لا يفارق الشعر الإنسان الأمازيغي بل يصاحبه في كل عمل يقوم به، لذلك نجد شعرا خاصا بكل عمل يزاوله أو مناسبة يحتفل بها، ونذكر من ذلك”
+ شعر الختان : Izlan n tskrawt
+ شعر الحرث :Izlan n tkrza
+ شعر الحصاد :Izlan n tmgra
+ شعر الدرس : Izlan n urwa
+ شعر تخصيب النخل : Izlan n udkk°ṛ
+ شعر عاشوراء : Izlan n tɛcuṛt
+ شعر الطحن : Izlan n yiẓiḍ
+ شعر الاستسقاء : Izlan n ttlɣja
+ شعر النسج : Izlan n uẓṭṭa
+ …
- شعر الأطفال أو الأناشيد : (Turarin, Tizlatin) وهو من بين الأنماط الشعرية التي أولاها الأمازيغ اهتماما كبيرا لما له من دور مهم في تنشئة الأطفال على القيم وإكسابهم ملكة اللغة والتربية على الذوق الفني والجمالي من خلال أناشيد ذات نفس قصير حيث الجملة الشعري القصيرة والرنة الموسيقية الجذابة والتيمات الهادفة… ولا تزال الذاكرة الجمعية تحتفظ بأناشيد من مثل (Riru, Timilla, …)
4 – المقارنة بين شعر الأمس وشعر اليوم :
لا شك أن الدارسين والمستمعين يقفون على الفروق التي توجد بين الشعر الأمازيغي التقليدي و”شعر” اليوم، من خلال استحضار عدد من الخصائص المميزة لكليهما، دون إغفال كون الشعر التقليدي هو الأصل الذي تنحني الأذن المرهفة أمامه إجلالا حتى ولو تباينت الأجيال. كما تجدر الإشارة إلى أن منطقتي “القبايل” فـ”الريف” كانتا الرائدتين في تكسير بنية الشعر التقليدي كنتيجة عادية للتعامل مع آلات موسيقية جديدة لم تعرفها البيئة الأمازيغية من قبل، إلى جانب التأثر بالثقافات الأجنبية الأخرى كالعربية والإسبانية والإنجليزية والاطلاع على تجاربها ومدارسها الشعرية وآدابها…
وسأعتمد على عقد مقارنات بين القصيدة الكلاسِيّة والعصرية من خلال الارتكاز على العناصر التالية:
• على مستوى البنية:
– القصيدة التقليدية:
تنبني القصيدة التقليدية كما سبقت الإشارة إلى ذلك على :
+ مقدمة دينية:
A ki zzurɣ, a waḥd, a lwḥid, a wanna
Issudun tafukt, ig asidd i wayyur
Ɛmun itran, ard ur ssaddin aḍu
A mujud Ṛbbi, ṛṛja nnɣ yugl ẓaṛun
Γriɣ awn, a wa, kks i ubrid isiwan.
(Tagzzumt)
الترجمة:
أستهل بك كلامي، يا واحد، يا أحد، يا الذي
يسيّر الشمس، ويجعل للقمر ضياءً
فيغشى ضوءه النجوم، فلا تضيء شيئا بتاتا
أيها الرب الموجود، رجائي بك متعلق
أناديك، يا هذا، أزلِ العقبات عن طريقي.
والملاحظ أن عددا من مقدمات الأشعار التقليدية تطفح بأسماء آل البيت النبوي، مما يغلّب فرضية كونها أشعارا أنتجت بعد مجيء الإسلام إلى شمال إفريقيا موطن الامازيغ.
+ حسن التخلص:
وهي أبيات انتقالية من المقدمة الدينية إلى الموضوع الأساس بشكل منطقي تنتقل بالمستمع إلى المراد قوله. ومن مثل ذلك:
1 – Xllf d awal, riɣ ad nbdu g wadda ur nniɣ.
الترجمة:
استبدل الحديث، فأنا أريد البدء بما لم يجد به لساني
+ المتن:
وهو الموضوع الأساس الذي يمثل العمود الفقري للقصيدة والذي يتراوح غرضه بين المدح والهجاء وفن النقائض والغزل والوصف والإخبار والحكمة والتنظير…
+ القفلة:
ويشكل خاتمة القصيدة التقليدية وغالبا ما يكون تطعيما للمقدمة الدينية بحكم أو استدراك لما لم يُقل أو إحالة إلى أمور أخرى لم تختمر بعد لنكون موضوع إنتاج شعري آخر… ومن ذلك:
Ill ayan wawal sulɣ ɛad ad t iniɣ
Kyy a bu tmɣra, ṛjiɣ ljid ɣriɣ as
Ad ak ig Ṛbbi lbaṛaka g icirran.
الترجمة:
بجعبتي كلام أخير أود قوله
أنت يا صاحب العرس، ناجيت الكريم داعيا إياه
أن يبارك الله أبناءك.
– القصيدة العصرية:
يلاحظ عموما في الشعر العصري تكسير البنية الشعرية التقليدية، إذ يلاحظ غياب المقدمة الدينية وبيت أو أبيات حسن التخلص والقفلة النهائية والاقتصار على المتن (أي الموضوع الأساس) لا غير لعدة عوامل نذكر منها:
+ محدودية ارتباط أجيال اليوم بالقوى الماورائية والنزوع نحو الإيمان بالمادية في معناها العام.
+ بروز دوافع واتجاهات تنتفض ضد الاستلاب و”الأفكار” المستوردة.
+ النزوح إلى القصيدة القصيرة ذات الأبيات المحدودة مما لا يسمح بالتطرق إلى العناصر الأخرى.
+ مسايرة زمن السرعة والدخول مباشرة في صلب الموضوع.
+ …
رغم ذلك لا بد أن أسجل استمرار عدد من الشعراء الشباب في قرض الشعر التقليدي على نولها العروضي المعروف بتمكن وحرفية.
• على مستوى المقدمة الدينية:
كما سبقت الإشارة إليه سابقا، لما قمنا بالمقارنة بين القصيدتين الكلاسية والمعاصرة على مستوى البنية، فإن وجود المقدمة الدينية وتوظيفها من غيابها وإلغائها يشل سمة فارقة أيضا بينهما وإن كنا نسجل حضورها عند الشعراء الشباب في بعض أشعارهم حين قرض القصيدة على الأوزان الشعرية الطويلة. والمقدمة الدينية ظهرت في القصيدة العربية بعد الإسلام وأخذت عند الكثير من الشعراء مكان المقدمة الخمرية (التغزل بالخمر) والطللية (التباكي على أطلال أمكنة لقاء المحبوب). والمقدمة الدينية في القصيدة الأمازيغية تتجاذبها فرضيتان:
+ كون تلك الأشعار تعود إلى فترة ما بعد مجيء الإسلام، كونها تطفح بأسماء آل البيت خاصة (النبي – فاطمة الزهراء – علي) وهو أمر مبرر كون المذهب الخارجي أول ما عرفه الأمازيغ عن الإسلام (بمعنى حب آل البيت والتمرد على كل سلطة مركزية جائرة وتكييف الدين وفق البيئات المستقبلة له لا تشيعا على نهج الدول الشيعية).
+ ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بقدوم الإسلام، كون الأمازيغ ليسوا حديثي العهد بالتدين، بل مروا بمراحل عدة من التدين (الوثنية، المجوسية، اليهودية، المسيحية، المسيحية المجدّدَة فالإسلام) دون أن يعني هذا الترتيب قضاء الدين اللاحق على ما سبقه بل في كثير من المرات يتزامن دينان ويتعايشان، ولا تزال الكثير من التجليات الحاضرة تعود لأديان خلت. وليس الشأن مثل العرب الذين كانوا وثنيين في غالبتهم العظمى رغم وجود الديانات الأخرى (اليهودية والمسيحية). ومن ثم فقد تعود تلك الأشعار إلى ما قبل الإسلام وتم تطعيمها وتكييفها وفق المعطى الجديد (استبدال تسمية بأخرى : معبود – قسّيس – وليّ صالح – …)
وإليكم وإليكن نموذجين شعريين حيث حضور المقدمة الشعرية في أحدهما وغيابها في الآخر.
يقول الشاعر (ؤبجنا) – رحمة الله عليه – في مقدمة قصيدة له:
A ki zzurɣ a ɛilm a Ṛbbi, ntta d nnbi ayd iɛzzan !
A awal n “bu Faḍma”, kyyin a mi numẓ ddaw n icḍṛan
Strat nnḥas inw, a Ṛbbi tgrim i lɛibi inw acḍḍuṛ !
الترجمة:
أستهل قولي بالله العليم، فلا أحد أعز منه ومن النبيّ
أعض بالنواجذ على قول الرسول ولا نبرح ظلاله
فاللهم استر عورتي، واغش عيبي كما يغشى الثوب البدن.
وتقول الشاعرة “رقية تالبنسيرت” في الأبيات الأولى لقصيدتها المغناة (Agadir) :
Nkka kullu timizar; yat ṭṭṛf n yat
Kullu ma ad nkka s u ḍaṛ, nkka tn s lfṛḥ
Zun d lhwa n “Ugadir” ur ili anaw
الترجمة:
زرنا البلدان كلها تباعا
قادنا إليها الشوق والفرح
لكن حب “أكادير” وجوّه ليس لهما مثيل.
• على مستوى المعجم:
يشكل المعجم الموطف في كلا القصيدتين نقطة فارقة أخرى بين النوعين من القصيدة، فإلى جانب توظيف معجم أمازيغي أصيل، نجد القصيدة التقليدية التي تعود إلى فترو الوعي التقليدي بالقضية الامازيغية تستعير معجمها دون حرج أيضا من اللغات الأخرى خاصة اللغة العربية (المعجم الديني: lbɛada – luḍu – Ṛbbi – Imɛṣi – ljnt – lɛdab – nnbi – lɛcuṛ – limam – ṛmḍan…) واللغة الفرنسية (المعجم الإداري: lkumisir – Abukaḍu – ssilul – Brrmsyun – lgṛaḍ – likstri – lkiḍ …) غما معدلا وفق الأوزان الصرفية للكلمة الأمازيغية والنطق الأمازيغي أو صلدا عنيدا لم يطله تغيير ذو بال. فنجد أنفسنا أمام معجم هجين يعكس واقع اللغة الأمازيغي وما تعانيه من تنافس غير متكافئ في وسط تعليمي وإعلامي وإداري يعطي الحظوة لغيرها مما يدفع بالشاعر ومعه الناطق الأمازيغي بصفة عامة إلى الاقتراض أقرب منه إلى توظيف ميكانيزمات اللغة الأمازيغية من نقل ونحت وتركيب واشتقاق ومَعجمة لتوليد مقابلات امازيغية تخص الخصاص وتلبي الحاجة. وتنضاف عوامل أخرى مثل اختلاف المتغيرات الأمازيغية من حيث درجة اعتراء معجمها بعدوى التعريب والفرنسة، طبيعة المجال (حضري، شبه حضري، قروي) ودرجة التدين (كثرة المدارس الدينية أو غيابها، حضور الزوايا…)
وتجدر الإشارة إلى أن المعجم العربي المعدل يسهل توظيفه في الشعر الأمازيغي لانسيابيته وتماشيه مع الأوزان الشعرية الأمازيغية وتلبية صوامته خاصة للتوزيع المقطعي الأمازيغي، كما أن التعريب الظاهري للإدارة الشمال-إفريقية قد أزاح لدى الموطن العادي والشاعر المعجم الإداري المفرنس ليعوّض بالمعرّب…
وأمام ظهور الوعي العصري بالقضية الأمازيغية، مال الشعراء الشباب إلى تنقية المعجم الموظف ليكون أمازيغيا صرفا بإعادة توظيف المعجم الأمازيغي القديم وإعادة تحميله دلاليا مع الاغتراف والانفتاح على الفروع اللهجية الأخرى إما لتوظيف مفردات ذات حمولة جديدة أو تعويض المفردات المعربة أو المفرنسة في متغيرته الجهوية أو منطوقته المحلية مساهمة منهم في التهيئة اللغوية الأمازيغية وتذويب الفواصل الإيزوﯖلوسية والمسافات الجغرافية.
غير أن المشكلة التي تعترض الشعراء الشباب تتمثل في النزوح لخلق شعر “نخبوي” قد لا يفهمه إلا من هم على دراية بأكبر عدد من متغيرات اللغة الأمازيغية أو دارسين لها، كون الأوساط الأمازيغية الناطقة لا تزال منغلقة على متغيراتها في غياب تدريس اللغة الأمازيغية وترويج معجمها إعلاميا. لكن لا يمكن إلا اعتباره شعرا مقاوما يخاطب المستقبل أكثر من الحاضر، والبعيد جغرافيا أكثر من القريب…
ونستحضر هنا ثلاث نماذج للتمثيل لا للحصر:
يقول الشاعر “كّي حسّو” – رحمة الله عليه – في قصيدة طويلة اقتطعت منها الأبيات التالية مع وضع الكلمات المقترضة بين قوسين:
Han ayt (nniyt) da (ttchaṛn)
Mqqar da ttasin iẓaẓatn
Meqqar riɣ ad (sḥudrɣ) iɣf
(Hzzan) d imurig ul inw
Mr da (ttbddalmt), a (lmḥayn)
(Lɣyar) allig d (icayḍ) iqqim
Ur (iwhin) uynna i yuɣn
Ul inw (iɛmmṛ) s (ixmmimn)
Idda (lhmm) ur iri bu (ṭṭaɛt)
Yiri (ṭṭɛam) injdi g (ittamn)
الترجمة:
أصحاب النوايا الصادقة مشهورون
حتى ولو أثقلت كواهلهم الأرزاء
رغم أني أريد أن ألزم الأرض
لكن لهيب الأشواق يوقظ قلبي
آه لو كانت المحن تستبدل
لهجرت الحزن ومضيت بعيدا
مصيبتي ما هي باليسيرة
وقلبي يطفح بالهواجس
عجبا لعمل يأنف من المخلص
كما يبتغي الطعام عابر سبيل يثق به.
ويقول الشاعر المخضرم “حميد أمهال” المعروف بـ “ئطيج” في شعر سجالي له مع الشاعر “علي ؤ يوسف” حول ظاهرة الهجرة السرية (الحريـﯖ):
Snyan i usmmud nns ad ikk (luɛuṛ),
Mk (iṛaḥ) yawi d (jjib) iktar as;
Ha tin igr ilan, ira ad iffɣ afus:
Amma (ṛaḥn) amma (iktab) i islman!
الترجمة:
لقد خاطر بحياته وقصد المهالك
إن بلغ مرماه سيعود بمال وفير
لقد استخار، عساه يجتاز المحنة
فإما أن يصل أو تدركه الأسماك.
وفي قصيدته (العدو) يقول الشاعر الشاب “حسن ؤبراهيم”:
Yusi d usngu
S tazzrt uzzal
Ad iwt amvnas
Sg lli ikkat,
Yuws as udabu
الترجمة:
لقد جاء العدو متعجرفا
حاملا الحديد (السلاح)
كي يبطش بالمناضل
منذ أمد بعيد وهو كذلك
والسلطة تمده بيد العون.
ولا بد أن نشير في ختام هذه النقطة أننا اليوم في الحقيقة أمام ثلاث مدارس شعرية :
+ مدرسة شعرية كلاسية: وقد استحضرنا عددا من خصائصها مع استكمال ما تبقى من الحلقات القادمة.
+ مدرسة شعرية معاصرة: ما قلناه اعلاه يسري عليها أيضا.
+ مدرسة شعرية انتقالية بين المدرستين لا تزال تمتح من كل خصائص المدرسة الكلاسية (على مستوى البنية الشعرية، استهلال القريض بالمقدمة الدينية، توظيف معجم أمازيغي مطعّم بمفردات من العربية خاصة ومن الفرنسية بنسبة أقل ومن الإسبانية بنسبة أقل بكثير، المحافظة على الأغراض الشعرية المعروفة، الاعتماد على الإلقاء الشفوي..) وهي منفتحة في الوقت نفسه على ما تقدمه القصيدة المعاصرة من مساحات أخرى للتعبير والتناول وما تتيحه من تكسير للأوزان ولكن ليس بطريقة فجة.
بالنسبة للنقط الأخرى سأوردها بإيجاز بذكر الفكرة العامة دون الخوض في التفاصيل والتي هي كثيرة ومتشعبة:
– على مستوى الموضوع:
+ القصيدة التقليدية: تعدد المواضيع عموما (مقدمة دينية – الموضوع الأول – الموضوع الثاني – … – القفلة) مع تسجيل قصائد ذات موضوع أحادي.
+ القصيدة العصرية: غالبا ما تتناول موضوعا واحدا.
– على مستوى طول النفس:
+ القصيدة التقليدية: تتميز بكونها قصائد طويلة النفس سواء من خلال كثرة الأبيات والمقاطع المشكلة لها.
+ القصيدة العصرية: على العموم، غالبا ما نجد القصيدة العصرية محدودة الأبيات قليلة مع الحرص على كونها أبياتا قليلة المقاطع. ويعود ذلك لسببين رئيسين: الأول عدم صقل التجربة الشعرية من اجل التمتع بقريحة شعرية منتجة. والثاني كون جيل اليوم يميل إلى السرعة سواء الملقي أو المتلقي وتميل نفس الأخير إلى التأفف حين قراءة قصيدة طويلة أو الاستماع إليها ملقاة.
– على مستوى التيمات:
+ القصيدة التقليدية: الحب، السياسة، مواضيع اجتماعية (زواج، طلاق، جوار، طباع…)، النقائض، إلى جانب كل الأغراض الشعرية المعروفة من مدح، ذم، وصف، حكمة، سرد القصص (كقصص الأنبياء خاصة فصة يوسف وسليمان عليهما السلام…) والأحداث التاريخية (وقائع الاستعمار وملابسات الاستقلال الإداري الشكلي، التدافعات السياسية، صراعات قبلية، وصف المقاومة وتحفيز المقاومين..)…
+ القصيدة العصرية: إلى جانب التيمات القديمة يلاحظ نزوع إلى الشعر الملتزم بالنضال والدفاع عن القضية الامازيغية من منطلق الوعي الع
صري بالقضية وإن كنا نجد أنفسنا أحيانا أمام تخمة شعرية من خلال ورود التيمة نفسها بالتناول نفسه في قصائد عدة. وهذا لا ينفي تناول القصيدة التقليدية للقضية من خلال وعي تقليدي اهتم بالأبعاد الأخرى لها.
– على مستوى الوزن:
+ القصيدة التقليدية: هي قصيدة موزونة وتخضع بشكل عجيب لقالب شعري منطقي. وهذا الوزن الشعري الأفقي والعمودي تمتاز به القصيدة الأمازيغية عن غيرها من القصائد باللغات الأخرى. ومن خلال اشتغالي على كثير منها أنحني تقديرا أمام سليقة هؤلاء الشعراء الذين نسجوا شعرا وفق قالب خفي يتقنونه ضمنيا وإن كانوا يجهلونه تناولا علميا.
+ القصيدة العصرية: تميل إلى الشعر الحر الذي يكسر الوزن، والخوف كل الخوف أن يخطو الشباب خطوات كبيرة دون أن يتمكنوا من اكتشاف خبايا الشعر التقليدي والنزوح إلى “الشعر النثري” بشكل سافر جدا وذلك تقليدا منهم لتجارب معينة.
– على مستوى الرويّ:
+ القصيدة التقليدية: لا يشكل الروي شرطا ضروريّا، بل تعطى الأهمية القصوى للوزن، بل قد نجد ذيل المقطع محذوف بنيويا. وهذا لا يمنع من ورود بعض الأبيات مقفاة مع تسجيل قصائد من “سوس” ومن “فازاز” ومن “الجنوب الشرقي” تأتي بحرف الوصل (i) أو (a) كي تتناغم حين الإلقاء.
+ القصيدة العصرية: تأثرا منهم بتجارب شعرية من “الريف” و”القبايل” خصوصا، سعى الشعراء الشباب إلى قرض قصائد مقفاة وإن كان أغلب النصوص لا تحمل من الشعر سوى الاسم والقافية فيما يشبه المقامات السجعية.
– على مستوى التقويم:
+ القصيدة التقليدية: يكون التقويم مباشرا من طرف الجمهور لطابعها الشفوي والتلقائي والمباشر مع المستمع حيث يتم تقويم عدة مناح من القصيدة مباشرة، ويكون ذلك إما بالاستحسان أو التهجين.
+ القصيدة العصرية: تمتاز بطابعها المكتوب وتظل حبيسة دفاته ولا تحظى بالتقويم ساعة إبداعها.
– على مستوى الخطاب، الصور الشعرية، والعمق:
+ القصيدة التقليدية: خطاب غير مباشر، صور شعرية كثيرة ومعبرة، معان عميقة وفلسفية. غير أن هذه القصيدة الشعرية لم تخرج مجملا عن الارتباط بالواقع والبيئة المحيطة من أجل صياغة الصور الشعرية الموظفة (الانشطة الحياتية، الوحيش المتعامل معه، الطبيعة الجغرافية…) في مقابل ندرة المتح من الخيال.
+ القصيدة العصرية: خطاب مباشر، قلة الصور الشعرية، غياب العمق غالبا أو ندرته.انفتاحها على ما تعرفه الساحة من تطورات ثقافية، علمية وتكنولوجية من أجل التصوير الشعري.
– التدوين / الكتابة:
+ القصيدة التقليدية: في غياب ثقافة الكتابة لدى أغلب الشعراء وثقافة القراءة لدى الجمهور، فقد ظلت الذاكرة الشخصية والجماعية الكتاب الحاضن لهذا النوع من الشعر من خلال الإلقاء الشفوي، مع تسجيل تجارب فردية خاصة بالتدوين.
+ القصيدة العصرية: بعد إدراك الشباب لأهمية الكتابة والتوثيق والرغبة في الانتقال من الشفاهة إلى الكتابة، عمد الشعراء الشباب إلى إصدار دواوينهم الشعرية مكتوبة بأشكال كتابية متنوعة. وإن كان غياب الدعم يطرح بشكل كبير أمامهم. والأدب الأمازيغي لا يزال لم يستكمل بعد مرحلة الإنتاج الأدبي من أجل خلق تراكم مكتوب يخول لنا الانتقال إلى مرحلة النقد والتحليل والتمحيص.
– علاقة النص بالشاعر:
+ القصيدة التقليدية: هي علاقة حميمة تلك التي تربط بين الشاعر وإبداعه الشعري، فهو يقرضه وينقحه في الوقت نفسه فهو ناقد نفسه إلى أن يتيقن من سلامته وشعريته، وبعد ذلك يعمل على حفظه وتخزينه في ذاكرته، ليعمل في مرحلة ثالثة على التدرب على الإلقاء استعدادا لاطلاع الجمهور عليه. وبعد احتكاكه بالجمهور قد يعمد إلى إدخال بعض التحسينات أو التعديلات. ومن ثمة فعلاقة الشاعر التقليدي بشعره هي علاقة وطيدة ومتينة فرغم توالي السنوات يظل حافظا له ويعود ذلك إلى ارتباط الشعر يالحياة اليومية وتفرغ الشاعر لذلك بشكل يكاد يكون “حرفة” واعتباره مجال تبارٍ بين الناس. غير أن ما يلاحظ هو أن الشاعر التقليدي قد يغتال شعره إذا تقدم به السن واجتاح الهوس “الديني” حياته حيث يشعر بالذنب والندم على ما أبدعه ومن ثم يئد استمرارية الحياة المعنوية لأشعاره برفضه بتاتا إلقاءها إذا ما طلب منه ذلك أو إطلاع الباحثين الراغبين في تدوينها وحفظها من براثن النسيان وهو ما حدث مع عديد الشعراء.
+ القصيدة العصرية: هي علاقة محدودة في الزمان والمكان بالنظر إلى تراجع دور الشعر في الحياة اليومية حيث غلبة الفكر المادي وتغير مراكز الاهتمام وظهور مفهوم “المهنة” بشكل جلي وواضح. ومن ثم فالشاعر العصري يظل “عبد” ديوانه أو الورقة التي خطت عليها القصيدة وقت الإلقاء، ونجده غالبا غير حافظ لإنتاجه الشعري.
…
بقلم حميد طالبي
المصدر: tinjdad24.com
Bravo 3lik mass t 'as fait un bonne travaille
ردحذفTANMIRT
ردحذفAyuz mass hamid
ردحذفAyyuz nnk d tanmmirt xf twwuri ad
ردحذف