اعلان

04‏/08‏/2016

الامازيغية بين خطاب التعريب و خطاب التغريب


انه لمن الخطأ الكبير الاعتقاد ببساطة فهم الواقع المغربي، حيث تتداخل عوامل عدة تاريخية واجتماعية ودينية لتشكل منظومة معقدة. يصعب فهمها خارج ضوء تداخلات الحقول وتأثير عوامل التاريخ والحاضر وما يحملانه من سلطة رمزية على الافراد و الجماعات ، سلطة انعكست وبشكل كبير على اليات التفكيك التي يتبناها ويعتمدها الافراد داخل مجتمعنا. حيث تم القضاء وبشكل لافت للنظر على المناعة الشخصية التي تساعد على تحديد الموقع والمحافظة عليه داخل أي سياق سياسي ، ثقافي أو اجتماعي وربطه بالهوية الشخصية وأسسها ، التي تعد المتأثر الاول والأخير داخل هذه السلسلات ، مما يسمح بتبني لاستراتيجيات غريبة في الحياة تعد بمثابة انهيار ونهاية نظم وأخلاق الجماعة (التي تصون وتحافظ على حرياتها) والتي هي أساس لبناء أي مشروع والمؤطر بثقافة محلية وعبر ميكانيزمات غير غريبة عن الوسط ، لان كل مجتمع ينطلق دائما من تجربة خاصة ليصل عبر صيرورة خاصة الى نتيجة خاصة تحفظ هويته الخاصة وتؤرخ لنموذجه الخاص ، وهذا ما يمكن ان يؤسس للقطيعة مع تجارب الذوات الاخرى ، ويؤسس لنموذج مستقل مبني على فلسفتنا في الحياة ، فلسفة لابد من فهم امكانياتها في تأطير نفسها بنفسها دون اعتماد الاسقطات وغرس النماذج الجاهزة المبنية على أساس مناخ اجتماعي ، سياسي وفكري مغاير. لاتسمح التوابث المحلية بغرسها كآليات و استراتيجيات وأدوات فكرية لتفكيك وخلخلة نظم سياسة الهيمنة وليس الهيمنة باعتبارها مرحلة وصل اليها العقل الجمعي ، او اعتبارها صيرورة لا يمكن تجاوزها بسهولة ، في حين تم اعتبارها سياسة كإبراز لإمكانية خلخلتها وتعويضها.
أن التكريس لمنطق الاخفاق والأزمة والهشاشة سواء من طرف المثقفين الرسميين أو المثقفين (الاغبياء سياسيا) يعد بمثابة أحد ثوابت الانظمة المتأزمة ( فكريا ، اجتماعيا وسياسيا) ثوابت شرعنها حثى اصبحت مبدأ لنا في الحياة ، وثقافة اعتمدناها في التنشئة الاجتماعية لأجيالنا ، فكيف لشعب يكرس ضعفه ويجعل الاخفاق صيرورة طبيعية في حياته أن يتحدث عن الازمة ويقترح حلولا لمعالجتها، لان تفكيره في حد ذاته أزمة والصورة التي بناها على تاريخه وحاضره أزمة. حتى اصبحت الازمة والإخفاق واليأس والاغتراب داخل الذات وداخل البيئة المنجبة قدرا يعد انكاره او محاولة خلخلته كفرا.
ان تشخيص الازمة ( أزمة الذات الامازيغية ) يجب أن ينبني على فهم علاقتنا بثقافتنا وتاريخنا وليس في ضوء قياس درجات التأثر بالفكر العربي- الديني أو الغربي- الامبريالي كما تحاول بعض الكتابات، ان شرعنة نمط فكري على اخر »غربي-امبريالي على عربي- ديني » في حد ذاته زيادة في تعميق جذور الاغتراب و التيه.
اننا محتاجين لإعادة بناء شخصيتنا دون الرجوع والاعتماد على المعتقدات الفكرية والدينية للأخر وذلك عبر العودة الى الوعي و اللا وعي الجمعيان لنا وإعادتهم الى سكتهم الصحيحة التي تأخذ التاريخ والمجال بعين الاعتبار وما يمثلانه من صور واقعية قادرة في توجيهنا نحو تحديد العلاقة بأنفسنا في الدرجة الاولى وبالأخر في الدرجة الثانية.
ان تبني المدارس الفكرية (الغريبة والدخيلة) كأدوات لفهم الذات الامازيغية لَإعادة انتاج الاغتراب من جديد من الثقافة العربية البدوية الهامدة الى الثقافة الفرنكوفونية والانجلوساكسونية المستعمِرة والمهيمنة اقتصاديا وفكريا وحتى قانونيا . تراجعت النظم القانونية التقليدية الأعراف لصالحها وذلك عبر تكسير الانظمة التقليدية التي حافظت على هذه القوانين عبر حروب التهدئة .
ان جميع المؤشرات تؤول الى ان الامازيغية تعيش اغترابا اولا داخل الذات التي تنتمي اليها و ثانيا داخل بيئتها بعد تحطيم اسسها الاخلاقية والقانونية والتربوية وتفريغها من محتواها التاريخي العظيم.
انما يحدد اي حضارة هي نظمها وأخلاقها وقوانينها، فلا حضارة دون هذه الاسس. اما الامازيغية ففاقدة لها ليس بعوامل الزمان والأخر وإنما بعامل الحاملين لها ولهمها، حيث اصبحوا يمثلون اصناما تم تشييدهم على حسابها وجيلا انتقاليا بينها وموتها، موتها كحضارة وتاريخ ومستقبل وأمال الاجيال الصاعدة ، وليس كلغة تحمل رموزا وكلمات لا معنى لها في ضوء فقدانها لأساسها و بعدها الانساني العميق وما يحتويه من فلسفة في تدبير الحياة.

إن المفتاح الحقيقي للتغيير الإيجابي يكمن في معرفتنا للذات الأمازيغية و قدرتها على مسايرة الرهانات و قدرتها على ابتكار ميكانيزمات و آليات فعالة تنبني على الواقع المعاش و قادرة على الإتيان بالنتيجة الإيجابية، تستند إلى معطيات عديدة (التاريخ ، الوضعية الثقافية، الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية…) معرفة تتطلب منا تفكيك و خلخلة هذه المعطيات و البحث عن مكامن الخلل فيها من أجل إعادة بناء معرفة علمية دقيقة حول ذاتنا دون الانجرار وراء الكتابات التي تنغمس في دوامة العجز و تبرير الأزمة الدائمة دون تقديم و لو القليل من الأمل في قدرتنا على تغيير الوضعية، كتابات لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الكتابات الرسمية ( و التي يجب الحذر منها ومن حمولاتها ) التي تحاول شرعنه هذا الواقع  سياسيا ، دينيا، اجتماعيا و اقتصاديا و التي تقوم على أساس تجذير هيمنة  المهيمنين على المهيمن عليهم و شرعنه نمط تفكيرهم و حياتهم على الأنماط الأخرى. لتدخل بعد ذالك كتابات المهيمن عليهم في خانة اللاشرعية و ضمن المحضور إن لم تتهم بالكفر في بعض الأحيان: كفر بواقع كتبه إله الكون أو كفر بسنة هذا الإله في تدبير الحياة و تمليك البعض للبعض أو تسليط البعض على البعض.
هذه الكتابة التي تقوم على أساس إعطاء الشرعية  و نزعها و ببركة من المهيمنين و تزكية لممارسات و كتابات و مرجعيات معينة هي أساس و جذور الحرمان و الاغتراب الذي تعيشه الذات الأمازيغية ، حيث دفعت الأفراد إلى تبني حضارة غير حضارتهم ، ثقافة غير ثقافتهم و تاريخ غير تاريخهم حتى أصبحوا يستمتعون بالسباحة في حوض التيه و الحرمان  داخل ثقافة الأخر و همومه، و منه فإن مهمة المثقف(الأمازيغي بالخصوص ) أن يعلن حربه ضد هذه الإيديولوجيات و الأنماط الفكرية السائدة ـ ليبني على أنقاضها لا عليها مشروعه المجتمعي  الهادف إلى تحسين وضعية القواعد و يعلن انتصاره للهدم و القطيعة لا الاستمرارية و تحويله تناقضات هذه المنظومة إلى مختبر الناقد الهادم لا تحويلها إلى أحاسيس القوى الاجتماعية و الزيادة في فقدانهم الأمل في أي مشروع يهدف التغيير.
إن العيش في واقع يحوي الخنوع و الاستسلام لا يمكن أن إلا أن يكون قسريا عبر كل الوسائل  رمزية (وما تحدثنا عنه أعلاه ) و مادية تتمثل في سلسلة الحروب المتتالية مند القدم إلى الآن و ما سياسات الإقصاء الممنهج إلا استمرارية  للحروب القديمة لكن بوسائل جديدة (حروب نفسية عبر تكريس الشخصية المنحطة و العبيد بالطبيعة) (حروب اقتصادية عبر تعريض الامازيغي لواقع اقتصادي و اجتماعي مرير….)
إن الأمازيغي أصبح يعيش حرية و اعترفا به  (دسترة الأمازيغية) لكن أي اعتراف و أية حرية إنها حرية داخل الحرمان حرية داخل فضاء محدود حرية داخل فضاء غير فضاء الذات الأمازيغية إن الحرية بمفاهيمها الجديدة أصبحت مرادفا لاتخاذ القرارات و التحكم فيها و ليس اتخاذ الأخر لقرارات كان من المفترض للذات الأمازيغية  اتخاذها و تفعيلها إن الدسترة  لم تكن نتاج لإرادة سياسية و تراكم الوعي و الضرورة بوجودها لكنها أصبحت صدقة منحت لأيتام المقاومة لأيتام الفتوحات و مشردي حروب التهدئة و الصدقة جاءت لتؤكد ثنائية من له الحق في اتخاذ القرار و تفعيله و المشفق على الضحية و هذه الأخيرة تقف وقفة شكر و امتنان للمانح (صاحب الصدقة إزاء صدقته).
هذا الامتنان ووقفات الإجلال هو ما تعبر عنه مطالب قوانين التنزيل و التفعيل لمقتضيات الدستور الجديد-القديم لقد أصبحت الامازيغية الآن تعيش كأسيرة أو كغنيمة حرب ضفرت بها الدولة بعد توطئ مع (المثقف ،الناشط و المناضل) إن وضعية الأمازيغية كانت أفضل حالا بعد الدسترة لقد كانت قبل مارس2011 ملك للشعب و الوطن أما اليوم فقد تم تفعيل خطاب أكتوبر 2001 لتصبح ملكا للدولة و المؤسسات لتحولها من هوية وطنية و إرث حضاري وإنساني إلى سلطة رمزية وأحد أساليب إعادة إنتاج الهيمنة. إن الأمازيغية تؤول إلى أن تصبح وجها أخر لعملة العروبة و الإسلام ورقة ستزيد تثبيت الأشخاص و العائلات و اللوبيات وصناع القرار في أماكنهم في حين ستتحول الأمازيغية إلى أحد أسلحة الحرب الجديدة التي ستستثمر في تهدئة أخر معاقل المقاومة.
بقلم جمال تبرامت
من موقع دادس أنفو




0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي