اعلان

05‏/07‏/2016

التصوفية الامازيغية في شمال إفريقيا

التصوفية

التصوف في المغرب الأقصى
إن تاريخ المغرب هو تاريخ سيادة التيار الصوفي بتعبيراته المختلفة، ولم يشكل هذا التيار محاضن للتربية الروحية فقط، بل محاضن للجهاد أيضا، فلقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المجتمع المغربي وذلك من خلال الرعاية الرسمية للدولة.[1]
 مر التصوف في بلاد المغرب الأقصى بمرحلتين : مرحلة التبعية؛ حيث تم إدخال التصوف ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي من قِبل حجاج الأماكن المقدسة، ومن الصعب الحديث في هذه الفترة عن تصوف "مغربي"؛ لكون أهم الصوفية المغاربة -أمثال أبي يعزى يلنور، وابن عربي، وعلي بن حرزهم- كانوا شرقيي الصوفية. ومرحلة "مغربة" التصوف التي دشنها عبد السلام بن مشيش، الذي رغم أنه درس على يد أئمة الصوفية التابعين -كأبي مدين الغوث وعلي بن حرزهم- فإنه لم يسلك مسلكهم؛ بل سعى إلى التميز عنهم، وقد أكمل تلميذه أبو الحسن الشاذلي مرحلة "مغربة" التصوف لتصل ذروتها مع محمد بن سليمان الجزولي. [2]
انتشار التصوف في المغرب في البداية كانت تهدف أساسا إلى نشر الإسلام فيما وراء الحواضر؛ حيث بدأ منذ القرن الثالث عشر الميلادي يتوغل في الأرياف.
وبدءا من القرن الرابع عشر الميلادي انتقل التصوف من الإطار الدعوي إلى الإطار السياسي، وبدأت المعالم الأولى للطرق الصوفية تتشكل في العهد الموحدي ليكتمل هذا التشكل مع أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الذي يعتبر مؤسس أول طريقة صوفية في المغرب جراء التحولات التي طرأت على بنية المجتمع. ويمكن القول بأن الطرق الصوفية أصبحت ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي مؤهلة لتزويد البلاد بنظام الحكم.[3] وبلغت الزاوية أوج قوتها عند مبايعة شيخ الزاوية الدلائية سلطانا على المغرب. امتدت الصوفية المغربية إلى ما وراء الحدود، فتأسست بمختلف أقاليم الشمال الإفريقي ـ بل وحتى في مصر - زوايا تقبس من معين الطرق المغربية كالعيساوية والتيجانية والطيبية بتونس، كما أحدث المغاربة أورادا خاصة لطرق خارجة عن المغرب مثل القادرية.[3]
يتميز المشهد الصوفي المغربي حاليا بتنوع الطرق والزوايا التي تمتد على طول التراب المغربي، من الشمال إلى الجنوب، ومن أشهرها: الطريقة الكتانية، والعلوية، والبودشيشية، والزاوية الريسونية، ومجلس أهل الله، والطريقة البوعزاويةو الطريقة المعينية
ما يميز الزوايا الصوفية بالمغرب هو اتفاقها جميعا على ضرورة "الشيخ" في السلوك إلى الله تعالى، وهذا ما يثير تحفظات منتقدي الصوفية؛ لأن هناك مبالغات غير مقبولة في النظر للشيخ، والاعتماد عليه في الزاد الإيماني والمراقبة والمشارطة.
ضريح في أحد الزاويات بآسفي.
طبيعة التنشئة السياسية التي يتلقاها مريدو الزوايا والطرق الصوفية تكرس بشكل متزايد الثقافة السياسية القائمة على الانكفاء والانشغال بالدين بمفهومه الطقوسي والشعائري بعيدا عن الاهتمام والخوض في أمور الشأن العام، وبالتالي تكريس مزيد من السلبية السياسية التي تؤدي إلى تزايد عدد أعضاء التيار الديني الشعبي الموالي للسلطة السياسية، بالإضافة إلى أنها تشكل أحد الروافد الأساسية لجلب التأييد وإحياء الولاء الديني والروحي لأمير المؤمنين. تموقع التصوف عنصرا أساسيا ضمن إستراتيجية إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب، وهي استراتيجية جديدة، من ضمن أبعادها تفعيل التصوف كمحدد للسلوك، بهدف مواجهة التيار السلفي الوهابي بصيغته التقليدية والجديدة، حيث اعتبرت السلطات أن مصدر الخطر يكمن في الإيديولوجية السلفية.[4]
أول مراكز الذكر
برزت زوايا أصبحت مراكز للتصوف وتلاوة الأحزاب وقراءة الأوراد والذكر. وكان أنشط هذه الزوايا:
زاوية حي المخفية بفاس وزاوية حي العيون بتطوان، وقد أسسهما معا الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي المتوفي سنة 1013 هـ.
زاوية حي القلقليين بفاس التي أسسها عبد الرحمن بن محمد الفاسي المدعو بالعارف المتوفى سنة 1045 هـ
زاوية تامكروت بدرعة جنوب المغرب التي أسسها عمر بن أحمد الأنصاري عام 983 هـ
الزاوية الدلائية التي أسسها في أواخر القرن العاشر أبو بكر بن محمد الدلائي.
الزاوية المعينية التي اسسها الشيخ ماء العينين الملقب بشيخ الاقطاب

التصوف في المغرب الأوسط
في الجزائر أو ما يعرف قديماً بالمغرب الأوسط، فقد بدأ التصوف فيه تصوفاً نظرياً، ثم تحول ابتداء من القرن العاشر الهجري، واتجه إلى الناحية العملية الصرف، وأصبح يطلق عليه "تصوف الزوايا والطرق الصوفية". كان من أوائل وأحد أوتاد الطريقة الصوفية في الجزائر: الشيخ أبو مدين شعيب بن الحسن الأندلسي، وقد عرفت طريقته المدينيـة شهرة واسعة وأتباعاً كثر في مختلف أنحاء المغرب الإسلامي، وازدادت شهرة على يد تلميذه عبد السلام بن مشيش (ت 665 هـ= 1228 م)، ثم ازدادت نشاطاً وأحياها من بعده شيخ الطريقة الشاذلية وتلميذ ابن مشيش أبو الحسن الشاذلي. وكان لتعاليم الشاذلي في الجزائر الأثر الأكبر بحيث يكاد يجزم أن معظم الطرق التي ظهرت بعد القرن الثامن تتصل بطريقة أو بأخرى بالطريقة الشاذلية.
ومن أبرز علماء الجزائر الذين شاع التصوف العملي وانتشر بسببهم عبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن يوسف السنوسي، اللذان يعتبران من كبار العلماء والزهاد في القرن التاسع الهجري، فقد جمع كل منهما بين الإنتاج العلمي والسلوك الصوفي، وانتفع بكل منهما خلق كثير وكان لهما تأثير في المعاصرين وفي اللاحقين، وقد كانا كلاهما من أتباع الطريقة الشاذلية، وألفوا كتبا في أصولها وفي تراجم رجالها.
اتخذ التصوف في الجزائر منذ بداية ظهوره بها أبعادا اجتماعية، وذلك بسبب الظروف التي كانت تعيشها البلاد في القرون السابع والثامن والتاسع الهجرية وانساق الناس ورائه لما وجدوا فيه من مساواة وعدل وإحساس بالوجود والأهمية، فقد كان شكلا من أشكال التعبير عن الغضب الشعبي والتمييز الطبقي بين طبقة الأغنياء والمترفين وطبقة الفقراء والمعدمين.[5]
مر التصوف في الجزائر بمرحلتين أساسيتين هما:
فترة التصوف النخبوي، وذلك خلال القرون السادس والسابع والثامن الهجرية: وهي الفترة التي بقي فيها التصوف يدرس في المدارس الخاصة، واقتصاره على طبقة معينة من المتعلمين، وعدم انتشاره بين الطبقات الشعبية، وبقائه في الحواضر الكبرى: تلمسان، بجاية، وهران.
فترة التصوف الشعبي، أو ما تعرف بفترة الانتقال من التصوف الفكري إلى التصوف الشعبي، وقد وقع ذلك في القرن التاسع الهجري، وفيها انتقل التصوف من الجانب النظري إلى الجانب العملي، وهو الانتشار الكبير للزوايا والرباطات في الريف والمدن، وانضواء الآلاف من الناس تحت لوائه، والتركيز على الذكر والخلوة، وآداب الصحبة وما إليها من مظاهر التصوف الشعبي. وبفتح باب التصوف للعامة وأهل الريف، انتقل من النخبة إلى العامة، من المدينة إلى الريف، وظهرت الطرق الصوفية الكبرى وانتشرت في مختلف أرجاء القطر: كالقادرية، المدينية، الشاذلية.[5]
حالياً تحظى برعاية خاصة من قبل السلطات، تجلت بالأساس في تنظيم الملتقيات الوطنية والإقليمية، وحتى الدولية التي تعرف بالدور التاريخي والحضاري لهذه الفرق فضلا عن فتح وسائل الإعلام الثقيلة أمامها بغية الترويج لأفكارها وأدبياتها.[6]

التصوف في المغرب الأدنى
لطرق الصوفية في ليبيا رغم قلتها فإن لها جذوراً تاريخية تمتد لمئات السنين، ومن أهمها الطريقة الزروقية لمؤسسها الشيخ أحمد زروق البرنسي في القرن التاسع (899 هـ) دفين مصراتة وتتميز بـ «الوظيفة الزروقية» أو «سفينة النجا لمن إلى الله التجا»، وهي مجموعة آيات وأحاديث نبوية تقرأ بعد الفجر، وما زالت تقرأ في المساجد الليبية حتى الآن، ومن الصعب أن نجد في ليبيا زوايا زروقية، رغم وجود مريدين، ويرجع المؤرخ والباحث د. علي فهمي خشيم ذلك إلى الطريقة السلامية المنسوبة لعبد السلام الأسمر التي حجبت شهرة «الزروقية» وحدت من انتشارها. [ 6]
وفي القرن التاسع الهجري ظهرت أيضاً الطريقة العروسية نسبة للشيخ العارف أبي العباسي أحمد بن عروس بن عبد الله، ولد وتوفي في تونس العام 869 هـ، ولاقت الطريقة العروسية انتشاراً واسعاً على يد أكبر أتباعها الشيخ عبد السلام الأسمر الإدريسي الحسني أحد كبار متصوفة القرن العاشر (981هـ)، وصارت في ليبيا وتونس من الطرق الشعبية التي ينخرط في صفوفها عامة الشعب، وتعد أكثر الطرق انتشاراً في ليبيا وإن كان المد الصوفي يلقى انحساراً ظاهراً في الآونة الأخيرة بسبب ما خالطه من معتقدات تتعارض مع النصوص الشرعية.

وفي القرن العاشر ظهرت الطريقة العيساوية وترجع إلى محمد بن عيسى الفهري السفياني(933 هـ)، وتعتبر من منافسين الطريقة العروسية، ويشتهر أتباعها بإتقان الأناشيد الدينية، والقيام ببعض خوارق العادات كضرب السيوف ومداعبة الثعابين، مما جعلها محل استغراب واتهامها بمخالفة الشرع.
ومن أهم الطرق أيضاً الطريقة السنوسية نسبة للشيخ محمد بن علي السنوسي المستغانمي نسبة لمدينة مستغائم بالجزائر، وإليه يعود الفضل في بث الوعي الديني في شرق ليبيا,.يقول المؤرخون لمدينة طرابلس «أشهر الطرق في الولاية هي الطريقة السنوسية، وأكثر مناطق نفوذها في البلدان الداخلية وفي مناطق سرت وبنغازي»، من أشهر زواياها في ليبيا زاويتا البيضاء والجغبوب.
أما الطريقة القادرية نسبة للشيخ عبد القادر الجيلاني، أحد متصوفة القرن الخامس، وهو من أشهر متصوفة الإسلام، ولا يوجد في شرق ليبيا أتباع للطريقة القادرية إلا في الآونة الأخيرة، قد لا تصل إلى مئة عام بخلاف مدينة طرابلس فهي أقدم زمناً في احتضان أتباع هذه الطريقة، ولمنتسبيها فضل يذكر في نشر الوعي الديني بطرابلس ونشاط ملحوظ في التأليف.
والطريقة الرفاعية نسبة للشيخ أحمد الرفاعي أحد متصوفة القرن الخامس، وتعد ليبيا من الدول التي دخلتها في وقت متأخر لا يتعدى مئتي عام، ومن أوائل المؤسسين لزواياها الشيخ أحمد الطبجي دفين الزاوية الرفاعية في بنغازي وهي موجودة إلى اليوم.
والطريقة التيجانية نسبة لأبي العباس أحمد بن محمد المختار التيجاني المتوفى العام 1815م، ودخلت هذه الطريقة ليبيا منذ زمن قريب، وأصبحت لها زوايا في بنغازي وطرابلس ودرنة.
ومن الطرق الصوفية التي انتشرت في ليبيا في القرن العشرين أيضا الطريقة العلاوية نسبة إلى الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي، وهو من كبار صوفية القرن العشرين وله العديد من الكتب مثل الرسالة العلاوية، والبحر المسجور في تفسير القرآن مجلدان، ومنهل العرفان، ووجدت «العلاوية» طريقها إلى ليبيا عن طريق الشيخ محمد الفيتوري العام 1935م من مدينة مصراتة ثم انتشرت في بنغازي، ومن أقدم مشايخها اليوم بليبيا عبد القادر بن صالح بن السنوسي الفزاني.

ومن الطرق الشهيرة في العالم الإسلامي الطريقة الدسوقية أو البرهانية نسبة إلى الولي إبراهيم بن عبد العزيز الدسوقي الحسيني المتوفى سنة 676 هـ، التي وجدت طريقها إلى ليبيا عن طريق أحد مشايخ السودان الكبار وهو الشيخ إبراهيم بن فخر الدين البرهاني، وشهدت البرهانية في ليبيا نشاطاً في فترة الثمانينات وكان بدء دخولها إلى مدينة بنغازي، ثم إلى المناطق الأخرى، ولا تصل شهرتها في ليبيا مبلغ شهرة الطرق الأخرى، ولعل مرجع ذلك قرب زمن دخولها إلى ليبيا.
والطريقة الخليلية نسبة للشيخ إبراهيم أبو خليل في محافظة الشرقية بمصر، وكان رجلاً أمياً، ودخلت الخليلية ليبيا منذ فترة قريبة لا تتجاوز أربعين سنة ومركزها مدينة بنغازي.
وهناك طرق أخرى دخلت ليبيا منها ما أصبح نشاطها يزداد، مثل الطريقة الجعفرية، إلا أن انتشارها ما زال محدوداً، وهناك أشخاص ينتسبون إلى طرق لم تدخل إلى ليبيا بصفة رسمية مثل النقشبندية، والخلوتية.

المصادر:
[1] الباحث الصوفي المغربي لحسن السباعي الإدريسي في كتابه: "حول التصوف والمجتمع" (منشورات الإشارة، 2007):
[2] تعدى إلى الأعلى ل: أ ب تصوف المغرب.. شيخٌ ومريد إسلام أون لاين.نت
[3] الحسن السائح: دعوة الحق، ع 2، 3، السنة 19 مارس 1978.
[4] صوفية المغرب.. رعاية رسمية ودعم أمريكي تاريخ الولوج 16-04-2009
[5] تعدى إلى الأعلى ل: أ ب عن التصوف والصوفية في الجزائر.islamic-sufism.com،تاريخ الولوج 21-04-2009
[5] أول موسوعة إسلامية عن التصوف.. جزائرية إسلام ان لاين، تاريخ الولوج 23/07/2009
[6]حث نشره مركز المؤرخ للدراسات التاريخية والأثرية.

[7]بحث لعبدالحفيظ عوض ربيع عن المصادر العربية لتاريخ الصوفية في ليبيا. 

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي